غزة- عام على المذبحة، إفلات إسرائيل من العقاب، وخذلان دولي للصحافة

المؤلف: أنطوني بيلانجي10.08.2025
غزة- عام على المذبحة، إفلات إسرائيل من العقاب، وخذلان دولي للصحافة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لعام ألفين وثلاثة وعشرين، تعيش فلسطين أوقاتًا عصيبة ووضعًا مأساويًا لا ينقطع، حيث سجل الاتحاد الدولي للصحفيين – وهو الكيان الذي يمثل أكثر من ست مئة ألف صحفي منتشرين في مئة وخمسين دولة حول العالم – مصرع مئة وثمانية وثلاثين صحفيًا خلال عام ألفين وثلاثة وعشرين المنصرم، يشكل الصحفيون الفلسطينيون النصيب الأكبر منهم بواقع مئة وسبعة وعشرين صحفيًا، بالإضافة إلى صحفيين من دول أخرى مثل لبنان (خمسة) وإسرائيل (أربعة) وسوريا (واحد)، وتعد هذه الحصيلة أكبر فاجعة في تاريخ مهنة الصحافة.

لإعطاء صورة أوضح، نشير إلى أن النزاع الدائر بين أوكرانيا وروسيا أودى بحياة ثمانية عشر صحفيًا خلال فترة تقدر باثنين وثلاثين شهرًا. وكشفت التحقيقات التي أجراها الاتحاد الدولي للصحفيين بالتعاون الوثيق مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين، أن الجيش الإسرائيلي تعمد استهداف العديد من الصحفيين منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام ألفين وثلاثة وعشرين، في تعدٍ سافر على القانون الدولي. وعلى هذا الأساس، ناشد الاتحاد الدولي للصحفيين بضرورة التقيد بالقوانين الدولية الإنسانية، ولكن دون استجابة تذكر.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

فاطمة تحارب الجوع في غزة لتنقذ جنينها

list 2 of 2

أم غزية تجد ابنها بين الجثث المجهولة وتحمد الله أنه كامل

end of list

إن الحرب المستعرة على غزة، والتي امتدت لتصل إلى الأراضي اللبنانية، هي نتاج السياسات التي تنتهجها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعرض الاتفاقيات الدولية عرض الحائط. وعلى الرغم من ظهوره المتكرر في الأمم المتحدة، حيث يتحدث مطولًا عن مكافحة الإرهاب، إلا أن التقارير الدولية المتعددة – منذ الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان – تؤكد بشكل قاطع أن الهجمات العشوائية التي تستهدف الإرهاب لا تجدي نفعًا، بل تفضي في نهاية المطاف إلى ترسيخ التطرف وتكوين أجيال ناقمة تنبذ السلام وتحمل في طياتها مشاعر الكراهية والضغينة.

منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام ألفين وثلاثة وعشرين، كثف الاتحاد الدولي من مناشداته للأمم المتحدة من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ بهدف إجلاء المدنيين من قطاع غزة المحاصر، والذي تبلغ مساحته حوالي ثلاث مئة وخمسة وستين كيلومترًا مربعًا، أي ما يوازي تقريبًا ثلث المساحة الإجمالية لمدينة باريس، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة والضرورية، وتوفير الحماية اللازمة للصحفيين الذين يزاولون عملهم في الميدان.

ولكن للأسف الشديد، باءت جميع هذه الجهود بالفشل الذريع، على الرغم من التحركات الدؤوبة التي يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بل على العكس من ذلك، أصدرت إسرائيل أوامرها بمواصلة الضربات الجوية والعمليات العسكرية بتمويل ضخم من الولايات المتحدة الأميركية (بنسبة ثمانية وستين بالمئة)، وألمانيا (بنسبة ثلاثين بالمئة).

التجريد من الإنسانية

فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية التي أعقبت الهجوم المروع الذي نفذته حركة حماس في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لعام ألفين وثلاثة وعشرين، والذي أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف ومئتي شخص، دعا الاتحاد الدولي للصحفيين إلى التدقيق المتأني في الحقائق، في ظل الانتشار الواسع لـ "الأخبار الزائفة"، مثل الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة حول "الأطفال مقطوعي الرؤوس". واحتدمت النقاشات داخل غرف التحرير، بين فريق متهم بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وآخرين متهمين بالتحيز لإسرائيل، مما أدى إلى فرض رقابة ذاتية مشددة على التغطية الإعلامية، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل كامل في العديد من التقارير المنشورة.

في ظل غياب المصادر الموثوقة من الخارج، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للصحفيين في غزة لإطلاع العالم على معاناتهم اليومية، على الرغم من المخاطر الجمة ونقص المعدات الأساسية اللازمة لتغطية الأحداث.

وعلى الجانب الإسرائيلي، هناك توجه واضح في الإعلام لدعم العمليات العسكرية التي تستهدف الفلسطينيين، حيث صرحت إحدى الصحفيات الإسرائيليات، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، بأنها تعمل جاهدة على دعم القوات الإسرائيلية "التي تدافع عن البلاد وتحميها من الإرهابيين الأشرار الذين ارتكبوا المذابح". رقابة ذاتية أم دعاية؟ وعلى الرغم من الرقابة والضغوط الهائلة، ولحسن الحظ، لا يزال بعض الصحفيين يقومون بمهامهم بكل مهنية وإخلاص، وينقلون الحقيقة من غزة بأمانة وشفافية، معتمدين على التحقق الدقيق من المصادر الرسمية لكلا الطرفين.

مراكز التضامن الإعلامي

استجابة للأوضاع المأساوية التي يعيشها قطاع غزة، قام الاتحاد الدولي للصحفيين، بالتعاون الوثيق مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين، بجمع مئات الآلاف من اليوروهات لتقديم الدعم اللازم للصحفيين الفلسطينيين، وتم افتتاح أول مركز تضامن للصحفيين في شهر يوليو/تموز من عام ألفين وثلاثة وعشرين، في جنوب قطاع غزة، وتحديدًا في مدينة خان يونس. وعلى الرغم من العدد المحدود للمراكز، إلا أنها تلعب دورًا حيويًا في توفير الحماية والدعم للصحفيين العاملين في القطاع.

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للهجوم، يتضح بجلاء أن الحرب على غزة قد تجاوزت قدرة الأمم المتحدة على التعامل معها واحتوائها، تمامًا كما كانت الحرب العالمية الثانية بالنسبة لعصبة الأمم في عام ألف وتسعمئة وستة وأربعين.

يقف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عاجزًا ومشلولًا وغير قادر على مواجهة حكومة نتنياهو التي تعمل دون أدنى خوف من المساءلة والعقاب، وتتمتع بحصانة كاملة. وعندما تضع الحرب أوزارها وينقشع الغبار، سينظر العالم – إذا بقيت هناك "مجتمعات دولية" بهذا الشكل المنقسم – على أنه أخفق إخفاقًا ذريعًا في تحمل مسؤولياته الجسيمة. ويجب عليه أن يتخذ خطوات حاسمة وفورية الآن قبل أن يصبح الوضع أكثر تدهورًا وتعقيدًا. وإذا قامت العدالة الدولية بواجبها على أكمل وجه، فلا بد من محاسبة قادة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها، ويجب ألا يُستثنى من المساءلة أي شخص تواطأ أو قدم الدعم لتلك الجرائم البشعة.

"باستثناء الدعم الذي نتلقاه من إخواننا وأخواتنا في الاتحاد الدولي للصحفيين، لم نعد ننتظر أي شيء من أي جهة أخرى. لقد فقدنا الكثير، ولم يعد لدينا ما نخسره، حتى حياتنا. إذا كان هناك جحيم، فنحن نعيشه الآن. إنها مذبحة حقيقية، يصعب تصديقها"، هذا ما قاله صحفي فلسطيني من غزة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، واصفًا الوضع المأساوي الذي يعيشونه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة